يهتم فرع التّصوير المعماري بالتقاط الصّور للمباني والمُنشآت المعمارية المُماثلة. تُعتبر الهياكل المعمارية موضوعات تصوير ذات قيمة عالية، وذلك بسبب تقدير المُجتمع للهندسة المعماريّة، والأهميّة الثّقافية والتّاريخيّة لبعض تلك المُنشآت. وعلى غير الشّائع، لا يهتم المصوّرون المعماريون فقط بالهياكل المعمارية القديمة أو تلك التي تمتلك قيمة تاريخيّة فقط، فبعض المباني الحديثة تُعتبر موضوعات تصوير رائجة بسبب قيمتها المعماريّة الكبيرة وجمال تصميمها وتنفيذها.
وهُنا لا ينبغي الخلط بين التّصوير المعماري والتّصوير العقاري، حيث أنّ الأخير أقلّ في الجانب الفني بشكلٍ واضح، حيث يلجأ سماسرة العقار للاستعانة بخدمات مصوّرين محترفين للحصول على صور جذّابة للعقارات بغرض وحيد هو زيادة فرص تسويقها وبيعها، على عكس التّصوير المعماري الذي يهتم أكثر بإخراج صور فنيّة تُبرز جماليات المبنى أو المُنشأة موضوع الصّورة. ورغم أن نوعي التّصوير قد يتقاطعان في بعض التّقنيات المُستخدمة إلا أنّ الهدف مُختلف تماماً منهما كما وضّحنا.
الكاميرات والعدسات المستخدمة في التّصوير المعمارية
إذا بدأنا بالكاميرات، فالتّصوير المعماري بطبيعته يُركّز على تصوير عناصر تامّة الثّبات، لذا لا يحتاج المصوّر إلى كاميرا تتمتّع بمميّزات مُعالجة الحركة، مثل الكاميرات ذات الغالق السّريع، أو تلك التي تأتي مع ميزة البؤرة الأوتوماتيكية أو تتبّع الوجوه.. إلخ.
لحُسن الحظ كُل ما سيحتاجه المصوّر هو كاميرا DSLR جيّدة أو كاميرا عديمة المرآة (Mirrorless) ويُفضّل أن تكون بحسّاس ذو إطار كامل (Full-frame) لتمكينك من التقاط صور أوسع، وهي الميزة التي ستُقدّرها جدّاً عند التقاط صور للمباني ضخمة الحجم.
أمّا عندما ننتقل إلى العدسات، فإنّ الأمر سيُصبح أكثر تعقيداً قليلاً، وبصورة مبدئيّة يحتاج المصوّر المعماري إلى مجموعة من العدسات وليس عدسة واحدة. العدسة ذات الزاوية الواسعة (Wide-angle lens) هي العدسة الرئيسيّة التي ستستخدمها للحصول على صور لكامل المبنى أو الهيكل المعماري لأنّها تمنح مجال رؤية أوسع بطبيعتها.
ثُم هُناك العدسة المُقرّبة (Telephoto lens) والتي ستحتاجها لالتقاط صور لعناصر مُعيّنة من المبنى، مثل السّقف أو النّقش أو إطارات النّوافذ أو الأبواب.. إلخ. تسمح لك العدسة المُقرّبة بالوصول إلى زوايا من المُستحيل الوصول إليها بالنّسبة لموضوع تصوير ضخم غالباً مثل المباني.
أيضاً تسمح لك عدسات البرايم (Prime lens) بالحصول على صور حادّة دون الكثير من التّشويه في الصّورة عكس عدسات الزّوم. لذا سيكون من المُفيد وجود عدسة برايم واحدة على الأقل في مجموعتك المُخصّصة للتّصوير المعماري.
أمّا إذا أردت نقل تصويرك المعماري إلى مستوى آخر تماماً، فستحتاج إلى عدسات الإمالة والإزاحة (Tilt-shift) والتي تُعرف في بعض الأحيان بعدسات التّحكم في المنظور (Perspective Control Lens). تُعدّ عدسات ( Tilt-shift) نوعاً مُعقّداً من العدسات تُستخدم غالباً في التصوير المعماري تحديداً (على الرغم من أنّه يُمكن استخدامها في أنواع أخرى من التّصوير). تتمتّع هذه العدسات بميزتين:
- الأولى هي ميزة الإمالة (Tilt)
تسمح هذه الميزة بإمالة عدسة الكاميرا بزاوية معيّنة (إمالة فيزيائية حقيقية). تسمح هذه الميزة للمصوّر بزيادة أو تقليل عمق الحقل (Depth of field) بشكل كبير جداً تعجز عنه العدسات العاديّة. يُمكن استخدام هذه الميزة بشكل فنيّ لتصوير المباني من الأعلى والإيحاء بكونها مُصغّرات (Maquette).
- الثانية هي ميزة الإزاحة (Shift)
تسمح هذه الميزة للمصوّر بإزاحة العدسة (إزاحة فيزيائية حقيقية) مُقابل مُستشعر الكاميرا رأسياً وأفقياً. تسمح هذه الميزة بالحصول على صور تظهر فيها خطوط المبنى الخارجية والدّاخلية متوازية ومستقيمة تماماً دون انحراف غير مرغوب فيه. دون استخدام هذه العدسات سيظهر المبنى وكأنّ قاعدته أكبر من قمّته. أيضاً يُمكن استخدام ميزة الإزاحة (الأفقية في هذه الحالة) في الحصول على صورة بانوراما مثاليّة عن طريق تصوير عدّة صور بإزاحات مختلفة للعدسة ودمجها معاً. وتُعد صور البانورما المُصوَّرة بهذه العدسات أفضل من الصّور التي يتم فيها تحريك الكاميرا نفسها.
الجدير بالذّكر أنّه يُمكن استخدام برامج تحرير الصّور (مثل أدوبي فوتوشوب) لتعديل أبعاد الصّور المُصوَّرة بعدسات عادية وإظهارها كأنّها مُصوّرة بعدسة Tilt-shift، تُعطي هذه البرامج نتائج ممتازة، لكن سيتوجّب عليك التّضحية ببعض بكسلات الصورة، وبالتالي لا تُعد الحل المثالي إذا كنت ترغب في أعلى جودة ممكنة للصورة.
أهمّ نصائح التّصوير المعماري
تحدّيات التّصوير المعماري قد تبدو غير مُعقّدة للوهلة الأولى، لكن عندما تُجرّب ممارسة تصوير المباني والهياكل المعماريّة، ستتأكّد أن الأمر ليس بالسّهولة التي توقّعتها، هُناك تحدّيات في كُلّ أنواع التّصوير، وتحدّيات التّصوير المعماري فقط مُختلفة عن غيره من أنواع التّصوير. في ما يلي بضعة نصائح لتسهيل مهمّتك:
- اقرأ عن المبنى أو الهيكل الذي تصوّره وتعرّف عليه عن قُرب
معرفة بعض المعلومات -ولو كانت معلومات أساسيّة- عن موضوع التّصوير ستمنحك علاقةً خاصّةً معه، وستفيدك في تقرير الصّور والزّوايا التي ستبدأ في العمل عليها في ما بعد. لحُسن الحظّ، الكثير من المباني والهياكل المعماريّة الشّهيرة مُوثَّقة جيّداً، ومن السّهل الحصول على معلومات عنها من العديد من المصادر. أيضاً سيفيدك التّجول بالقرب من المكان ومحاولة دخوله إذا كان مسموحاً ومُمكناً. سيُساعدك كُلّ ذلك في تقرير أفضل الطّرق لتصويره.
- وجود النّاس حول المكان ليس سيّئا دوماً!
قد يرى بعض المصّورين أن وجود أشخاص في الصّورة التي سيلتقطونها للمبنى أو للهيكل شيء يُقلّل من قيمة الصّورة، لكن في الحقيقة حاول التّفكير في الأمر بالصّورة التّالية: الهندسة المعماريّة ما وُجدت إلا لصنع مباني وهياكل جميلة ليستخدمها النّاس، وبالتّالي فإن العلاقة بين البشر وبين المباني هي علاقة واقعة، وظهورها في الصّورة ما هو إلا تمثيل لتلك العلاقة. في الحقيقة يُمكنك استغلال وجود الأشخاص حول المكان وإظهارهم في الصّورة بطريقة تُضيف المزيد من القيمة إليها.
أمّا إذا كُنت ترغب في التّركيز على المبنى فقط، ولا تُريد ظهور أيّ شخص في الصّورة، فإنّ من الحلول الجيّدة لتحقيق ذلك هي التقاط عدّة صور من نفس الزاّوية تماماً (عبر استخدام ترايبود بالطّبع) على فترات زمنيّة مُتباعدة، ومن ثمّ استخدام أحد برامج تحرير الصّور لدمج تلك الصّور والحصول على صورة خالية من أي عُنصر بشري، سيكون ذلك أفضل كثيراً من إزعاج المارّة بمحاولة إبعادهم عن كادر الصّورة لتتمكن من تصوير المبنى!
- التّصوير في أوقات مُختلفة سيُعطيك صوراً مُختلفة تماماً
تأثير تعاقب النّهار والليل، وحتّى اختلاف زوايا ميل الشّمس أثناء ساعات النّهار على المباني والهياكل الكبيرة تأثير شديد الضّخامة، ومن شأن التّصوير في أوقات مختلفة من اليوم منحك فرصة للحصول على صور غير نمطيّة وشديدة التّفرّد إذا ما اخترت الوقت المُناسب لالتقاط صورك.
- اطّلع على الصّور المُتاحة أولاً وجِد منظورك الخاص
ستكون هُناك احتماليّة كبيرة لوجود صور تمّ تصويرها مُسبقاً للمبنى أو الهيكل المعماري الذي تُريد تصويره، من المُفيد جداً الاطّلاع على تلك الصّور، لمعرفة نقاط قوّتها ونقاط ضعفها، ومعرفة السُّبل المُتاحة لتحسينها، والأهم من كل ذلك، محاولة العثور على منظورك الخاص للمبنى أو الهيكل.
تأمّل مثلاً هذه الصّورة التي التقطها المصوّر البولندي لوكاس ألبوكيرك من تحت برج إيفل من منظور نادر جداً يكاد يجعل المرء لا يتعرّف على البُرج رغم أنّه واحد من أكثر المعالم الهندسية شهرةً في العالم. تُرسّخ هذه الصّورة شعوراً لا يُوصف بمدى ضخامة البرج، والتّعقيد والجمال في آن معاً في تصميم العوارض الفولاذيّة المُستخدمة في هيكله. صورة مثل هذه لم تكن لتخرج للعلن لو كان المصوّر قد اكتفى بتقليد الصّور النّمطيّة التي يلتقطها أغلب المصّوّرين للبُرج.
ملحوظة أخيرة مُهمّة: عندما تُفكّر في التقاط صورة لأحد الهياكل المعماريّة أو المباني، خصوصاً الشّهيرة منها، تأكّد أولاً من أنّك لا تنتهك حقوق الملكيّة الفكريّة التي قد تكون محفوظة لتلك الهياكل أو المباني لأصحابها. تختلف حقوق نشر الهياكل والمباني باختلاف الولاية القضائيّة التي يقع فيها (أي الدّولة)، وعمر الهيكل أو المبنى، وطبيعته المعماريّة.
على سبيل المثال يمنع القانون الفرنسي نشر صور ليليّة لبرج إيفل في الوقت الحالي، وذلك بعد أن قام مُهندس الإضاءة الشّهير بيير بيدو بتركيب إضاءة الُبُرج الحاليّة عام 1985، والتي اعتُبِرت عملاً فنيّاً محميّاً بموجب قوانين حماية حقوق النّشر. وذلك رغم أن حقوق نشر برج إيفل نفسه قد أصبحت مُتاحة للعامّة عام 1993 بعد مرور 70 عاماً على وفاة غوستاف إيفل المهندس المعماري صاحب حقوق تصميم البرج.
أيضاً، تأكّد من أنّك لا تنتهك قوانين منع تصوير المنشآت الحسّاسة، مثل المباني الحكوميّة، والوحدات العسكريّة، خصوصاً إذا كُنت تفعل ذلك في إحدى الدّول العربيّة أو الدّول التي تُطبّق قوانين منع تصوير المُنشآت الحسّاسة بصرامة.