فتحة العدسة أو الحدقة أو القزحية (Aperture) هي مُسمّيات مُختلفة لأحد أضلاع مُثلّث التّعريض (Exposure Triangle) مع الـ ISO وسرعة الغالق (Shutter speed). وهي العناصر التي تتحكّم في كميّة الضّوء الواصل إلى حسّاس الكاميرا في الكاميرات الرّقميّة، ولها تأثير هائل جداً على نوعيّة الصّورة النّاتجة.
إذا كُنت تُصوّر بكاميرا هاتف جوّال، أو تستخدم الوضع الأوتوماتيكي في الكاميرا، فلن تحتاج لضبط فتحة العدسة أو غيرها من إعدادات التّعريض، إذ سيقوم مُعالج الكاميرا بضبطها اعتماداً على ظروف التّصوير، وتحديداً ظروف الإضاءة. لكنّ المصوّرين المُحترفين لا يفضّلون الاعتماد على الإعدادات الأوتوماتيكية، ويُفضّلون ضبط إعدادات الكاميرا يدويّاً لأنّها تمنحهم تحكّماً أفضل في نوعية الصّور المُلتقطة. حتّى أن بعض كاميرات الهواتف الجوّالة أصبحت توفّر بعض أدوات التّحكم في إعدادات التّعريض، وإن كان تحكّما رقمياً لا يصل إلى مستوى التّحكم البصري في الكاميرات الاحترافيّة.
ما هي فتحة العدسة؟
فتحة العدسة ببساطة هي المساحة غير المحجوبة من حاجب الضّوء الموجود أمام عدسة الكاميرا (يُشبه حاجب الضّوء ستارة تُفتح وتُغلق خلف الغالق – الشتر )، يُفتح الشتر عند التقاط الصّورة سامحاً للضّوء بالنّفاذ إلى عبر حاجب الضّوء إلى العدسة ومنها إلى حسّاس الكاميرا، ومن ثمّ يعود الشتر للإغلاق مُجدّداً. كُلّما كبرت المساحة المفتوحة في حاجب الضّوء كُلّما ازدادت كميّة الضّوء التي تصل إلى حسّاس الكاميرا، وأيضاً كُلّما حصلنا على عُمق حقل (Depth of field) أضيق (كما سنرى فيما بعد).
يُمكن تقسيم عدسات الكاميرات إلى نوعين أساسيين: عدسات البرايم (Prime lens) وعدسات الزّوم (Zoom lens)، تسمح عدسات الزّوم للمصوّر بالتّحكم في البُعد البؤري للعدسة -في النّطاق الذي تسمح به العدسة- أمّا عدسات البرايم فبُعدها البؤري ثابت طوال الوقت. وهذا ينطبق أيضاً على فتحة العدسة، إذ يُمكن التّحكم في حاجب الضّوء في عدسات الزّوم، بينما لا يُمكن ذلك في عدسات البرايم.
وفي حالة استخدام عدسة تدعم التّحكم في حاجب الضّوء، تُتيح مُعظم كاميرات DSLR والكاميرات عديمة المرآة الحديثة عدّة أوضاع للتّحكم في فتحة العدسة:
- الوضع الأوتوماتيكي الكامل: يُشار إلى هذا الوضع بالرّمز P أو وضع البرنامج، وفيه تقوم الكاميرا بضبط فتحة العدسة وغيرها من إعدادات التّعريض بنفسها اعتماداً على ظروف التّصوير دون تدخّل من المُستخدم.
- وضع أولويّة فتحة العدسة: يُشار إلى هذا الوضع برمز AV أو A في الكاميرات، ويُقصد به إعطاء الأولويّة لفتحة العدسة، حيث يقوم المُستخدم بضبط فتحة العدسة التي يُريدها عن طريق بكرة الضّبط الرئيسيّة، وبناءً على ذلك تقوم الكاميرا بضبط بقيّة إعدادات مُثلّث التّعريض. يُعتبر هذا الوضع وسطاً بين الوضع الأوتوماتيكي الكامل وبين الوضع اليدوي، لذا يُمكن اعتباره وضعاً شبه أوتوماتيكي.
- الوضع اليدوي: يشار إلى هذا الوضع بالرّمز M، وفيه يقوم المُصوّر بوضع القيم التي يُريدها لفتحة العدسة وبقيّة عناصر مُثلّث التّعريض.
ومن الأوضاع شبه الأوتوماتيكية أيضاً وضع الأولوية لسُرعة الغالق، والمُشار إليه بالرّمز S أوTV، وكما هو واضح، يقوم المُستخدم في هذا الوضع بتحديد سُرعة الغالق بينما تقوم الكاميرا بضبط بقيّة إعدادات مُثلّث التّعريض.
قيم فتحة العدسة
يُشار إلى قيم فتحات العدسة بالحرف f متبوعاً بخطّ مائل / ثُمّ رقم، مثلاً f/1.4 و f/2.8 و f/5.6 و f/8 تُعتبر قيماً شائعة لفتحة العدسة في الكاميرات الرقميّة. ومن الشّائع أيضاً الاستغناء عن حرف f وكتابة الأرقام مُنفردة، لتُصبح القيم السّابقة: 1.4 و 2.8 و 5.6 و 8.
ومن الجدير بالذّكر أنّه كُلما ازداد الرّقم كُلّما صغر حجم فتحة العدسة، ففتحة عدسة f/8 أصغر من فتحة عدسة f/1.4.
تُعتبر فتحات العدسة من f/1.8 إلى f/5.6 فتحات واسعة (تمنح عُمق مجال أضيق) بينما تُعتبر الفتحة f/8 وسطاً، أمّا الفتحات من f/11 إلى f/32 فتُعتبر فتحات ضيّقة (تمنح عُمق مجال واسع).
تأثير فتحة العدسة على الصّورة
التأثير الأساسي والمُباشر لفتحة العدسة هو التّحكم بكميّة الضّوء التي تصل إلى حسّاس الكاميرا كما أسلفنا. ففتحة عدسة f/1.4 تُعدّ أوسع من فتحة عدسة f/8 وبالتّالي ستسمح بوصول كميّة ضوء أكبر لحساس الكاميرا، وبالتّالي سنحصل على صورة أكثر سطوعاً. لهذا تُستخدم فتحة عدسة أكبر في ظل ظروف الإضاءة السّيئة للحصول على أكبر كميّة مُمكن من الضّوء.
لكن ليس هذا هو التأثير الوحيد لفتحة العدسة على الصّورة، فمساحة فتحة العدسة تتحكّم أيضاً بما يُسمّى عُمق الحقل (Depth of field). وهو المدى الواقع في بؤرة الصّورة الذي يتّسم بوضوح التّفاصيل في المشهد. فتحات العدسة الأكبر تمتلك عُمق حقل أضيق، وبالتّالي عند تصوير عناصر مُتباينة البُعد ستقوم العدسة بإنتاج صورة تظهر فيها بعض العناصر في البؤرة ( Focus ) بينما بقيّة الصّورة (ما يُحيط بالعُنصر أو الخلفيّة في الغالب) ستكون خارج البؤرة ( Focus )، مما يُنتج تأثير بوكيه (Bokeh) المُحبّب كما في الصّورة التّالية:
على العكس من ذلك تُنتج فتحات العدسة الأصغر صوراً ذات عُمق حقل أوسع (أعمق)، أي أنّ جميع العناصر الموجودة في الصّورة ستميل لأن تكون جميعها في البؤرة ( Focus ) بغض النّظر عن المسافة بينها وبين الكاميرا.
عُمق الحقل الضّيق أو الواسع ليس مسألة أفضل أو أسوأ في عالم التّصوير، فبعض اللّقطات تحتاج لعُمق حقل ضيّق لإظهار وتمييز بعض عناصر الصّورة، ﻷنّ المصوّر يستهدف إبراز بعض عناصر الصّورة، وفي أنواع أخرى من الصّور، يحتاج المصوّر لأن تكون كُلّ عناصر صورته واضحة وفي البؤرة ( Focus ).
ومن الجدير بالذّكر، أنّه على عكس الشّائع بين الكثير من المصوّرين، لا تمنح فتحة العدسة الأضيق حدّة أكبر للصّورة، بل تمنح فقط عُمق ميدان أوسع. أمّا أفضل حدّة للصّورة فتظهر في مدى مُعيّن من فتحات العدسة، وهو يتراوح عادةً بين بين f/8 و f/11.
ومن الجدير بالذّكر أيضاً أن عُمق الحقل يتأثّر أيضاً بالبُعد البؤري للعدسة، فمثلاً فتحة عدسة f/1.4 على عدسة 85 ملم ستُنتج عُمق حقل أضيق مُقارنة بنفس الفتحة على عدسة 24 ملم. وأيضاً يتأثّر عُمق الحقل بالمسافة بين العدسة والعناصر التي يتمّ تصويرها.
أي فتحة عدسة يتوجّب عليّ استخدامها؟
الإجابة المختصرة: حسب موضوع الصّورة وظروف الإضاءة والتّصوير. لكن بشكلٍ عامٍ ينبغي عليك تطبيق القواعد التّالية عند اختيار فتحة العدسة للقطتك:
- ظروف الإضاءة: بشكلٍ عام نستخدم فتحات عدسة أكبر عندما تكون الإضاءة غير مُناسبة أو ضعيفة، والعكس صحيح.
- نوعيّة الصّورة: عند الرّغبة في التّركيز على جُزء مُعيّن من الصّورة والحصول على تأثير بوكيه، في صور البورتريه مثلاً، ستحتاج بالطّبع إلى فتحة عدسة واسعة، والعكس صحيح، عندما تُصوّر معلماً معماريّا أو مشهداً من الطّبيعة مثلاً وترغب في ظهور كافّة عناصر صورتك (الأرض والسّماء والجبال والأشجار مثلاً) حادّة وواضحة فستحتاج إلى فتحة عدسة أصغر للحصول على عُمق مجال أوسع كما هو الحال في الصّورة أدناه.
- التصوير باستخدام ترايبود أو بدونه: عندما تُصوّر دون استخدام ترايبود فستستعمل على الأرجح غالق سريع لمنع ظهور الصّورة مُهتزّة، بالتالي ستحتاج لتعويض ذلك إمّا بزيادة الـ ISO أو استخدام عدسة أوسع، والخيار الثّاني هو الأكثر تفضيلاً لتجنّب تأثير التّحبيب في الصّور.
أخيراً، قد يبدو اختيار فتحة العدسة المُناسبة أمراً صعباً في البداية، لكن مع المُمارسة والتّمرين وكثرة التّصوير ستتعلّم سريعاً كيفيّة اختيار فتحة العدسة المُلائمة لموضوع صورتك بسرعة بديهة. المُهم أن لا تُصاب بالإحباط سريعاً وتبدأ في الاعتماد على الإعدادات الأوتوماتيكية في كُلّ صورك!